قال رحمه الله: (وحديث: شعب الإيمان تقدم) ذكره الشيخ ابن تيمية رحمه الله، وهنا اختصر أو أشار إليه بـ: تقدم، والحديث هو الإيمان بضع وستون شعبة، أو بضع وسبعون شعبة، كما اختلفت الروايتان في الصحيحين ، وليس من شرط المؤمن أن تجتمع فيه كل هذه الخصال، كما أنه ليس من شرط المنافق أن يخلو من كل هذه الخصال، والعدل أن تعامله بمقدار ما ترى فيه من شعب الإيمان، فبمقدار ما تزداد لديه تزداد محبتك وولايتك له، وهو أيضاً عند الله سبحانه وتعالى تكون ولايته وقربه منه بمقدار ازدياد هذه الشعب عنده، وشعب الإيمان يمكن أن نوجزها في ثلاث -وقد مر معنا الحديث الذي يدل على أن شعب الإيمان ثلاث- الأركان، والواجبات، والمستحبات.
فالركن: شهادة أن لا إله إلا الله، والواجب: الحياء، والمستحب: إماطة الأذى عن الطريق.
وعليه فكل شعب الدين لا تخرج عن هذا، فبمقدار ما يفعل من هذه الشعب تكون ولايته كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه )، وهذا أول شيء من الواجبات والأركان التي يأتي بها العبد، قال: ( ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ).
وهذه هي الدرجة الأعلى، وهي من اكتملت لديه درجة أو مرتبة الإيمان أو الإسلام، بأن أضاف أو ضم إلى امتثال الفرائض فعل النوافل، وتقرب إلى الله بها، والحديث أيضاً يدل على أن الإنسان تكون فيه الولاية لله، أو العداوة التي هي المعصية والفسق والفجور بمقدار ما فيه من الشعب، والصوفية عندهم إذا كان الرجل من الأولياء فإن معنى ذلك أنه لا معصية لديه، بل حتى لو رأوه لو قالوا: فلان ولي، ثم رأوه يرتكب أي فاحشة أو معصية لتأولوها بأي طريقة كانت، أو ربما خوطب أو كوشف بذلك، أو ربما تكون هذه الخمر خمر في الظاهر، لكن في الحقيقة يبدلها الله له شيئاً آخر! فما يدريك يا مسكين؟! فأنت من أهل الظاهر، ومن أهل الغفلة المحجوبين إلى آخر هذا الكلام والعياذ بالله، وبالتالي يتأولون عمل هؤلاء المجرمين الضالين، ولا يقولون: إن هذا قد حرمه الله، بل يعملون بالتأويل ولا يعملون بالنص الصريح الواضح؛ لأنهم قرروا قاعدة مطلقة وهي: ما دام أنه ولي فلا يمكن أن يرتكب شيئاً من ذلك، وزاد بعضهم بأن ظن أن الولي لا يخطئ حتى في النظر والاجتهاد، ولذلك من العجب أنهم أصبحوا يقرنون في العقائد أرباب الكشف مع أرباب النظر والبحث، فيقولون مثلاً: قالت المعتزلة كذا واستدلت بكذا، وقالت: الخوارج كذا واستدلت بكذا، وقالت أهل السنة في العقيدة الفلانية كذا ودليلهم كذا، وقال أرباب الكشف كذا فصار شيئاً آخراً، وكأن له مصدراً آخر غير الأدلة، وغير النصوص التي يستدل بها من يسمونهم أهل الظاهر، أي: جملة طوائف وفرق الأمة الأخرى، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ) هذا من أحاديث الشفاعة، وهو يدل على أن الإنسان قد يقل إيمانه إلى حد أنه لا يكون لديه إلا مثقال ذرة أو أدنى مثقال ذرة من إيمان، وقد يرقى فيكون إيمانه بحيث لو وزن بإيمان الأمة كلها لرجح بهم كما هو إيمان أبي بكر رضي الله عنه، فهكذا يتفاضل الناس في هذا تفاضلاً عظيماً، فليست ولاية الله تعالى لهذا أو ولايته لله كولاية الآخر.
يقول: (فعلم أن من كان معه من الإيمان أقل القليل لم يخلد في النار، وإن كان معه كثير من النفاق فهو يعذب في النار على قدر ما معه من ذلك) أي: إن كثر ما لديه من نفاق وفجور ومعصية وضلال طال عذابه، قال: ثم يخرج من النار، وإن قل أو يعفو الله تعالى كما قال الله تبارك وتعالى: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ))[النساء:48].